فصل: الشاهد الواحد والعشرون بعد الستمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.إيقاع الناصر بالتتر على شقحب.

ثم تواترت الأخبار سنة اثنتين وسبعمائة بحركة التتر وأن قطلوشاه وصل إلى جهة الفرات وأنه قدم كتابه إلى نائب حلب بأن بلادهم محلة وأنهم يرتادون المراعي بنواحي الفرات فخادع بذلك عن قصده ويوهم الرعية أن يجفلوا من البسائط ثم وصلت الأخبار بإجازتهم الفرات فأجفل الناس أمامهم كل ناحية ونزل التتر مرعش وبعث العساكر من مصر مددا لأهل الشام فوصلوا إلى دمشق وبلغهم هنالك أن السلطان قازان وصل في جيوش التتر إلى مدينة الرحبة ونازلها فقدم نائبها قرى وعلوفة واعتذر له بأنه في طاعته إلى أن يرد الشام فإن ظفر به فالرحبة أهون شيء وأعطاه ولده رهينة على ذلك فأمسك عنه ولم يلبث أن عبر الفرات راجعا إلى بلاده وكتب إلى أهل الشام كتابا مطولا ينذرهم فيه أن يستمدوا عسكر السلطان أو يستجيشوه ويخادعهم بلين القول وملاطفته وتقدم قطلوشاه وجوبان إلى الشام بعساكر التتر يقال في تسعين ألفا أو يزيدون وبلغ الخبر إلى السلطان فقدم العساكر من مصر وتقدم بيبرس كافل المملكة إلى الشأم والسلطان وسلار على إثره ومعهم الخليفة أبو الربيع وساروا في التعبية ودخل بيبرس دمشق وكان النائب بحلب.

.قرا سنقر المنصوري وقد اجتمع إليه كيبغا العادل نائب حماة وأسد الدين كرجي نائب طرابلس بمن معهم من العساكر فأغار التتر على القرينين وبها أحياء من التركمان كانوا أجفلوا أمامهم من الفرات فاستاقوا أحياءهم بما فيها واتبعهم العساكر من حلب فأوقعوا بهم واستخلصوا أحياء التركمان من أيديهم وزحف قطلوشاه وجوبان بجموعهما إلى دمشق يظنان أن السلطان لم يخرج من مصر والعساكر والمسلمون مقيمون بمرج الصفر وهو المسمى بشقحب مع ركن الدين بيبرس ونائب دمشق أقوش الأفرم ينتظرون وصول السلطان فارتابوا لزحف التتر وتأخروا عن مراكزهم قليلا وارتاعت الرعايا من تأخرهم فأجفلوا إلى نواحي مصر وبينما هم كذلك إذ وصل السلطان في عساكره وجموعه غرة رمضان من السنة فرتب مصافه وخرج لقصدهم فالتقى الجمعان بمرج الصفر وحمل التتر على ميمنة السلطان فثبت الله أقدامهم وصابروهم إلى أن غشيهم الليل واستشهد جماعة في الجولة ثم انهزم التتر ولجأوا إلى الجبل يعتصمون به واتبعهم السلطان فأحاط بالجبل إلى أن أظل الصباح وشعر المسلمون باستماتتهم فأفرجوا لهم من بعض الجوانب وتسلل معظمهم مع قطلوشاه وجوبان وحملت العساكر الشامية على من بقي منهم فاستلحموهم وأبادوهم واتبعت الخيول آثار المنهزمين وقد اعترضتهم الا وحال بما كان السلطان قدم إلى أهل الأنهار بين أيديهم فبثقوها ووحلت خيولهم فيها فاستوعبوهم قتلا وأسرا وكتب السلطان إلى قازان بما يجدد عليه الحسرة ويملأ قلبه رعبا وبعث البشائر إلى مصر ثم دخل إلى دمشق وأقام بها عيد الفطر وخرج لثالثه منها إلى مصر فدخلها آخر شوال في موكب حفل ومشهد عظيم وقر الإسلام بنصره وتيمن بنقيب نوابه وأنشده الشعراء في ذلك وفي هذه السنة توفي كيبغا العادل نائب حماة وهو الذي كان ولى الملك بمصر كما تقدم ذكره فدفن بدمشق وتوفي أيضا بليان الجوكندار نائب حمص وتوفي أيضا القاضي تقي الدين بن دقيق العيد بمصر لولايته ست سنين بها وولى مكانه بدر الدين بن جماعة وهلك قازان ملك التتر يقال أصابته حمى حادة للهزيمة التي بلغته فهلك وولى أخوه خربندا وفيها أفرج السلطان عن رميثة وحميصة ولدى الشريف أبي نمى وولاهما بدلا من أخويهما عطيفة وأبي الغيث والله تعالى أعلم.

.أخبار الأرمن:

.أخبار الأرمن وغزو بلادهم وادعاؤهم الصلح ثم مقتل ملكهم صاحب سيس على يد التتر:

قد كان تقدم لنا ذكر هؤلاء الأرمن وانهم وإخوتهم الكرج من ولد قويل بن ناحور بن آرز وناحور أخوا إبراهيم عليه السلام وكانوا أخذوا بدين النصرانية قبل الملة وكانت مواطنهم أرمينية وهي منسوبة إليهم وقاعدتها خلاط وهي كرسي ملكهم ويسمى ملكهم النكفور ثم ملك المسلمون بلادهم وضربوا الجزية على من بقي منهم واختلف عليهم الولاة ونزلت بهم الفتن وخرجت خلاط فانتقل ملكهم إلى سيس عند الدروب المجاورة لحلب وانزووا إليها وكانوا يؤدون الضريبة للمسلمين وكان ملكهم لعهد نور الدين العادل قليج بن اليون وهو صاحب ملك الدروب واستخدم للعادل وأقطع له ملك المصيصة وأردن وطرسوس من يد الروم وأبقاه صلاح الدين بعد العادل نور الدين على ما كان عليه من الخدمة وغدر في بعض السنين بالتركمان فغزاهم صلاح الدين وأخنى عليهم حتى أذعنوا ورجع إلى حاله من أداء الجزية والطاعة وحسن الجوار بثغور حلب ثم ملكهم لعهد الظاهر هيثوم بن قسطنطين ابن يانس ويظهر أنه من أعقاب قليج أو من أهل بيته ولما ملك هلاكو العراق والشام دخل هيثوم في طاعته وأقره على سلطانه وأجلب مع التتر في غزواتهم على الشام وغزا سنة اثنتين وستين صاحب بلاد الروم من التتر واستنفر معه بني كلاب من أعراب حلب وعاثوا في نواحي عنتاب ثم ترهب هيثوم بن قسطنطين ونصب ابنه للملك وبعث الظاهر العساكر سنة أربع وستين ومعه قلاون المنصور صاحب حماة إلى بلادهم فلقيهم ليون في جموعه قبل الدربند فانهزم وأسرو خرب العساكر مدينة سيس وبذل هيثوم الأموال والقلاع في فداء ابنه ليون فشرط عليه الظاهر أن يستوهب سنقر الأشقر وأصحابه من أبغا بن هلاكو وكان هلاكو أخذهم من سجن حلب فاستوهبهم وبعث بهم وأعطى خمسا من القلاع منها رغبان ومرزبان لما توفي هيثوم سنة تسع وستين وملك بعده ابنه ليون وبقي الملك في عقبه وكان بينهم وبين الترك نفرة واستقامة لقرب جوارهم من حلب والترك يرددون العساكر إلى بلادهم حتى أجابوا بالصلح على الطاعة والجزية وشحنة التتر مقيم عندهم بالعساكر من قبل شحنة بلاد الروم ولما توفي ليون ملك بعده ابنه هيثوم ووثب عليه أخوه سنباط فخلعه وحبسه بعد أن سمل عينه الواحدة وقتل أخاهما الأصغر يروس ونازلت عساكر الترك لعهده قلعة حموض من قبل العادل كيبغا فاستضعف الأرمن سنباط وهموا به فلحق بالقسطنطينية وقدموا عليهم أخاه رندين فصالح المسلمين وأعطاهم مرعش وجميع القلاع على جيحان وجعلوهم تخما ورجعت العساكر عنهم ثم أفرج رندين عن أخيه هيثوم الأعور سنة تسع وستين فأقام معه قليلا ثم وثب برندين ففر إلى القسطنطينية وأقام هيثوم بسيس في ملك الأرمن وقدم ابن أخيه تروس معسول أتابكا واستقامت دولته فيهم وسار مع قازان في وقعته مع الملك الناصر فعاث الأرمن في البلاد واستردوا بعض قلاعهم وخربوا تل حمدون فلما هزم الناصر التتر سنة اثنتين وسبعمائة بعث العساكر إلى يلادهم فاسترجعوا القلاع وملكوا حمص واكتسحوا بسائط سيس وما إليها ومنع الضريبة المقررة عليهم فأنفذ نائب حلب قراسنقر المنصوري سنة سبع وستمائة العساكر إليهم مع أربعة من الأمراء فعاثوا في بلادهم واعترضهم شحنة التتر بسيس فهزموهم وقتل أميرهم وأسر الباقون وجهز العساكر من مصر مع بكتاش الفخري أمير سلاح من بقية البحرية وانتهوا إلى غزة وخشي هيثوم مغبة هذه الحادثة فبعث إلى نائب حلب بالجزية التي عليهم لسنة خمس وقبلها وتوسل بشفاعته إلى السلطان فشفعه وأمنه وكان شحنة التتر ببلاد الروم لهذا العهد أرفلي وكان قد أسلم لما أسلم ابغا وبنى مدرسة بأذنة وشيد فيها مئذنة ثم حدث بينه وبين هيثوم صاحب سيس وحشة فسعى فيه هيثوم عند خربندا ملك التتر بأنه مداخل لأهل الشام وقد واطأهم على ملك سيس وما إليهما واستشهد له بالمدرسة والمئذنة وكتب بذلك إلى أرفلي بعض قرابته فأسرها في نفسه واغتاله في صنيع دعاه إليه وقبض على وافد من مماليك الترك كان عند هيثوم من قبل نائب حلب يطلب الجزية المقررة عليه وهو أيدغدي الشهر زوري ولم يزل في سجن التتر إلى أن فر من محبسه بتوزير سنة عشر وسبعمائة ونصب لمللك سيس أوشني بن ليون وسار ارفلي إلى خربندا فسابقه ألتاق أخو هيثوم بنسائه وولده مستعدين عليه فتفجع لهم خربندا وسط أرفلي وقتله وأقر أوشين أخاه في ملكه لسيس فبادر إلى مراسلة الناصر بمصر وتقرير الجزية عليه كما كانت وما زال يبعثها مع الأحيان والله تعالى أعلم.